#الكرك دكاكين الكرك ايام زمان #جنوب_الاردن #الأردن #برنامج_قلب_على_ضفتين #بوابة_فلسطين_الاعلامية #قناة_الضفنين_والمغتربين
د.النوايسة يكتب : دكاكين القرى 23 فبراير، 2017
الرفاهية والفرح والحزن وقصص العشق الممزوجة بالفقر
كلما قادتني الصدفة أو الحاجة للتسوق من مولات عمان ومتاجرها الباذخة، وجدت نفسي أعود ودونما أن أشعر الى دكاكين القرى في بلدتنا وفي غيرها من القرى والتي كانت بالنسبة لي ولجيلي ولمن هو أكبر منا متعة يحسد عليها من كان لدى أهله متجر…
لم يكن والدي –رحمه الله- وزملاءه التجار يتقنون مفاهيم التسويق التي كان أبتدعها –كوتلر- رائد علم التسويق الأمريكي الشهير الذي أسس لمفهوم التسويق الحديث- مكان واحد للتسوق؛ لكن متجرنا مثّل تلك المفاهيم بدقة؛ ويبدو المتجر( الدكانه) في الصورة التي التقطها سنة 1983 صديقي جهاد عبد الله عواد على ما أذكر والكاميرا عائدة للصديق فتحي المحادين اذ كان والده موظف بالمواصلات وابتاع كاميرا وكانت ميزة هامة جعلت من فتحي نجماً مهماً نسعى جميعا لنيل رضاه لعلنا نحظى بصورة ملونة ترسم ملامحنا البريئة والساذجة ندخرها لقادمات الأيام …
في ذلك الدكان الذي افتتح في مكانه الدائم في بداية الأربعينيات من القرن الفائت وأن كان والدي قد أمتهن التجارة بعد عودته من فلسطين على أثر الثورة الفلسطينية سنة 1936، أذ كان يعمل عند عائلة العلمي في القدس -ليس شريكا- بطبيعة الحال ولكن ككل أبناء شرق الأردن الذين كانوا يذهبون للقدس وفلسطين للعمل كعمال وفلاحين في المزارع وكان في القدس مكان يجمعهم يقال له –مصطبة الكرك- تماما كما للقدس حتى الأن في الكرك وفي زاوية القلعة الجنوبية –مصطبة القدس- أيضاً مما يؤكد تلك العلاقة التي تأسست بين المدينتين منذ العهد الفاطمي وعززها صلاح الدين الايوبي فكانت الكرك منطلقاً لتحرير القدس ولعل حبه للكرك بدا واضحاً وهو في نزاع الموت يوم أوصى أمه وأبنه بان يدفن سيفه معه والتفت لولده قائلا له “أن ضاقت عليك الدنيا فعليك يا ولدي بالكرك” …..
الدكانة كانت عباره عن متجر لعرض البضائع التي سأذكرها في السرد اللاحق وبجانبه مخزن لخزن البضائع من قمح وعدس وشعير وصوف الاغنام والجميد وما شابه، وقد صمم سدته الخشبية التي مازالت منذ ما يقارب الخمس والثمانون عام النجار وحاوي الافاعي الشهير الحاج علوي المكاوي والذي أدركته في أواخر أيامه وهو رجل طويل مهيب ملامحه أسيويه ذو لحية بيضاء يرتدي عمامة كأهل السودان وقور صامت ولكنه ساخر تعود جذوره لمنطقة جاوا في إندونيسيا جاء مع والديه للحج لكنهم ماتوا في طريق ذهابهم للقدس حتى يقدسوا بعد الحج؛ وعاش الطفل في (قرية جعفر) المزار لأحقاً وعمل نجاراً من اخشاب الأشجار التي يحضرها من سيل العينا والطفيلة وحاوي للأفاعي ومات الرجل وسره الكبير معه ولم يوصي الناس ومنهم صديقيه والدي والحاج أحمد الصرايرة – رحمهم الله جميعاً- الا على شيء وأحد وهو أطلاق الافاعي في مكان بعيد وحرق كتبه باستثناء القران الكريم واعتقد أنه طلب أن يوضع في المسجد العمري بالكرك…
كنت المناوب اليومي في المتجر بعد الساعة الثانية الى فترة الغروب طيلة أيام الأسبوع وكان هذا الأمر بالرغم أنه يساهم في حرمني من ممارسة الرياضة أو اللعب ألا أنه مصدر سعادة كونه يمنحني ميزة مطلقة على العديد من اقراني الذين غالباً ما يكونوا ضيوفاً دائمين حتى تظهر ملامح والدي من بعيد فيفرون كأنما على رؤوسهم الطير لأن “البهدلة” ستكون لي ولهم دون استثناء …
البضائع مزيج فريد عجيب غريب، من الأقمشة بأنواعها الصوف الربيع والخام والساحلي والقمر عالباب وقماشة نبيل (مربعات حمراء وزرقاء) الجورجيت (الذي يستخدم كشال للنساء في الصيف) والدولس والمخمل الذي يستخدم للمدرقة (المشلح) لباس المرأة الكركية، والأطلس (ليس اطلس الجغرافيا) بل نوع من القماش تكسا به الاغطية (اللحف) وكسوة الفرشات (قماش خشن مزين بالورود الحمراء والصور) والكاكي الذي يستخدم كسراويل للرجال وغالباَ ما يباع بلونين الكاكي بالشتاء والأبيض بالصيف وهو من بنود الإتفاقية الرئيسية بين أصحاب الاغنام والرعيان والمرابعية اذ ينص الشرط على وجود سراولين شتوي وصيفي بالإضافة لبقية الشروط وتتضمن الشاي والسكر والطحين ولاحقاً الراديو والبطاريات، أقمشة المراييل الخضراء والزرقاء للطالبات، قمصان سموكن ماركة الاهرام (كفلنكز) كتلك التي يرتديها دولة الرئيس الحنون هاني الملقي وهي قطن خالص ومصرية الصنع مناديل رجالي بغدادية (الكوفية الفلسطينية وهي عراقية المنشاً) لبسها العرب بعد سقوط الأندلس مع العقال الأسود حداداً، منديل البوال الأبيض الصيفي وكان سويسري خيطين بخيط هكذا كان يكتب عليه، الشماغ الإنجليزي ماركة البسام وهو عادة يأتي تهريب من السعودية، جوارب النجمة، مشاط عظم نسائية ورجالية، كباكيب ومواسير عادي ومونس تستخدم للخياطة وللقطبة الفلاحي وخيوط ملاحف وهدب مناديل، وطبعا هناك اقمشة خاصة بيضاء تستخدم كاكفان للموتى يضاف لها رداء اخضر او أبيض مع زجاجة عطر بروفسي أو عطر البتراء وهو منتج اردني رديء كفيل بأن يخرج المرحوم عن طوره من حدة العطر حتى تشعر أنه بنكهة الفلفل الحار …
اما في زاوية الإكسسوار والكريمات فيتصدر الزاوية سطل الفازلين الذي يباع “حل” بالوزن وهو مهم جداً ذلك ان برد المزار “ينشف” حتى تشعر بأن الشتاء جاء ليأخذ الثأر من الناس هناك ، وكريم تاج العروس وكريم النجمة، وزيت الشعر الهندي للرجال الذي يستخدم كثيراً في المناسبات وخصوصاً الأعراس ويجلب مزيداً من الذباب على الشعر بسبب لمعته حتى تشعر بأنك في كلكتا في الهند، وكريم نيفيا الذي ظهر لاحقاً لا يقل أهمية عن اكتشاف الجاذبية وكان مخصص للمعلمين وكبار الموظفين والطبقة المخملية حتى أن وصف النعومة كان يقال لمن يهتم بنظافته ” جماعة النيفيا” …
والجناح الأخر مختص بالتوابل وأدوات العطارة والتي تتكون من الزنجبيل والخولجان والفلفل الأسود والفنطليس (النفتالين) والوشقه (وهي ذات راحه سيئة جداً لا اعرف حتى اللحظة هل هي مادة لعلاج المريض ام عقاب رباني، جرية الحمامة (نبته تستخدم لأوجاع الكلى) الكمون واليانسون والقرفه عيدان والبهار وأربعين الحاجة والمراتج وذيل القط ودهن الضبع والكركم الأصفر، وحبة البركة، وسنا مكي، والحلبه وجوزة الطيب، والبعيثران والسفوف وقبة عبد السيد وغيرها الكثير مما غادر ذاكرتي…
زاوية الحلويات لم تكن غنية كثيرا، حلاوة الكسيح كان والدي يحضرها من عمان في تنك أو سطل حديدي بسعة 25 كغم وتباع بالوزن والى جانبها تنكة السمن البلدي وكانت من أطيب الوجبات في الشتاء خاصة للوافدين على قريتنا من بدو وفلاحين، والراحه الحلقوم وحلويات الناشد وهيكل وسلفانا كاميليا والكعكبان الذي تظهر اثاره في الصورة في مرتبانات زجاجية وهو عبارة عن سكر مغلي ومجفف ومصبوغ بالألوان على شكل خطوط، الكعك الذي كان يجلب من عمان في أكياس الخيش أما القرشلة فكانت نادرة وهي بمثابة البيتي فور أو الكروسان وكانت من اختصاص دكانة هاني القطاونة وسليمان الحلحولي لكنني ما فوتت على نفسي الفرصة فلجئت لأسلوب المقايضة مع صديقي علي الحلحولي …
يوم الجمعة كان من اكثر الأيام مبيعات خاصة قبل الصلاة حيث يفد الناس من القرى المجاورة وخصوصا البدو والعزازمة لشراء احتياجاتهم وغالباً يأتي الاهل مع الخاطب والمخطوبة لتجهيز لوازم العرس ولشراء الصوف الذي يباع بالقنطار والكسوة والإكسسوار والسكر والشاي وكنت المح كطفل باندهاشه بريئة قصص الغزل وتبادل النظرات بين العاشقين من خلف أهلهم وكأنني امام رائعة عاطفية كتلك التي كتبها المنفلوطي “تحت ظلال الزيزفون” أو “شجرة اللبلاب” او روائع الروائي الكبير إحسان عبد القدوس، لكن الفرق أن القصص التي كنت ألمح تفاصيلها أجمل فهي ممزوجة بعرق الفقراء وكدحهم وأحلامهم التي لا تتجاوز الخربوش الذي يبنى من الخيش لكنهم كرماء نبلاء في خلقهم وبساطتهم يتزوجوا ليمنح الفقر والوطن والجندية مزيد من الشرف والكبرياء بعيداً عن بعض حفلات الزواج الاستعراضية في فنادق الخمس نجوم التي تمنح الوطن مزيداً من المتاجرين واللصوص والفاسدين …
في ذلك المتجر الذي أصر اشقائي على بقاءه كما هو بسدته وما بقي من البضائع والاواني والمرتبانات الزجاجية وبقايا الكعكبان ونسخ الجريدة الرسمية منذ ان كانت تصل لوالدي في الأربعينيات؛ حتى يظل جزءاً من تاريخنا أهلنا الذي نعتز فيه وجزءاً من ذاكرة المزار ففيه وامام مسطبته وعلى أكياس الخيش جلس جيل من حكماء تلك القرية ونسجت اهم الأحلاف بين العشائر وتمت أهم المصالحات على قضايا الدم وخلافات ومنازعات الأراضي…
ذلك المتجر الذي جعل من والدي وأشقاءه بكرم من الله من ابناء رجل فقير (جدي حسين النوايسة) ولكنه كريم كان بيته مفتوح للناس الى كبار ملاك الأراضي ولكن دون أن يترك الأمر خروج على قناعتنا امام أنفسنا أولاً بأن الثراء ليس في المال والأرض بل في القيم والأخلاق…
د.النوايسة يكتب : دكاكين القرى 23 فبراير، 2017
الرفاهية والفرح والحزن وقصص العشق الممزوجة بالفقر
كلما قادتني الصدفة أو الحاجة للتسوق من مولات عمان ومتاجرها الباذخة، وجدت نفسي أعود ودونما أن أشعر الى دكاكين القرى في بلدتنا وفي غيرها من القرى والتي كانت بالنسبة لي ولجيلي ولمن هو أكبر منا متعة يحسد عليها من كان لدى أهله متجر…
لم يكن والدي –رحمه الله- وزملاءه التجار يتقنون مفاهيم التسويق التي كان أبتدعها –كوتلر- رائد علم التسويق الأمريكي الشهير الذي أسس لمفهوم التسويق الحديث- مكان واحد للتسوق؛ لكن متجرنا مثّل تلك المفاهيم بدقة؛ ويبدو المتجر( الدكانه) في الصورة التي التقطها سنة 1983 صديقي جهاد عبد الله عواد على ما أذكر والكاميرا عائدة للصديق فتحي المحادين اذ كان والده موظف بالمواصلات وابتاع كاميرا وكانت ميزة هامة جعلت من فتحي نجماً مهماً نسعى جميعا لنيل رضاه لعلنا نحظى بصورة ملونة ترسم ملامحنا البريئة والساذجة ندخرها لقادمات الأيام …
في ذلك الدكان الذي افتتح في مكانه الدائم في بداية الأربعينيات من القرن الفائت وأن كان والدي قد أمتهن التجارة بعد عودته من فلسطين على أثر الثورة الفلسطينية سنة 1936، أذ كان يعمل عند عائلة العلمي في القدس -ليس شريكا- بطبيعة الحال ولكن ككل أبناء شرق الأردن الذين كانوا يذهبون للقدس وفلسطين للعمل كعمال وفلاحين في المزارع وكان في القدس مكان يجمعهم يقال له –مصطبة الكرك- تماما كما للقدس حتى الأن في الكرك وفي زاوية القلعة الجنوبية –مصطبة القدس- أيضاً مما يؤكد تلك العلاقة التي تأسست بين المدينتين منذ العهد الفاطمي وعززها صلاح الدين الايوبي فكانت الكرك منطلقاً لتحرير القدس ولعل حبه للكرك بدا واضحاً وهو في نزاع الموت يوم أوصى أمه وأبنه بان يدفن سيفه معه والتفت لولده قائلا له “أن ضاقت عليك الدنيا فعليك يا ولدي بالكرك” …..
الدكانة كانت عباره عن متجر لعرض البضائع التي سأذكرها في السرد اللاحق وبجانبه مخزن لخزن البضائع من قمح وعدس وشعير وصوف الاغنام والجميد وما شابه، وقد صمم سدته الخشبية التي مازالت منذ ما يقارب الخمس والثمانون عام النجار وحاوي الافاعي الشهير الحاج علوي المكاوي والذي أدركته في أواخر أيامه وهو رجل طويل مهيب ملامحه أسيويه ذو لحية بيضاء يرتدي عمامة كأهل السودان وقور صامت ولكنه ساخر تعود جذوره لمنطقة جاوا في إندونيسيا جاء مع والديه للحج لكنهم ماتوا في طريق ذهابهم للقدس حتى يقدسوا بعد الحج؛ وعاش الطفل في (قرية جعفر) المزار لأحقاً وعمل نجاراً من اخشاب الأشجار التي يحضرها من سيل العينا والطفيلة وحاوي للأفاعي ومات الرجل وسره الكبير معه ولم يوصي الناس ومنهم صديقيه والدي والحاج أحمد الصرايرة – رحمهم الله جميعاً- الا على شيء وأحد وهو أطلاق الافاعي في مكان بعيد وحرق كتبه باستثناء القران الكريم واعتقد أنه طلب أن يوضع في المسجد العمري بالكرك…
كنت المناوب اليومي في المتجر بعد الساعة الثانية الى فترة الغروب طيلة أيام الأسبوع وكان هذا الأمر بالرغم أنه يساهم في حرمني من ممارسة الرياضة أو اللعب ألا أنه مصدر سعادة كونه يمنحني ميزة مطلقة على العديد من اقراني الذين غالباً ما يكونوا ضيوفاً دائمين حتى تظهر ملامح والدي من بعيد فيفرون كأنما على رؤوسهم الطير لأن “البهدلة” ستكون لي ولهم دون استثناء …
البضائع مزيج فريد عجيب غريب، من الأقمشة بأنواعها الصوف الربيع والخام والساحلي والقمر عالباب وقماشة نبيل (مربعات حمراء وزرقاء) الجورجيت (الذي يستخدم كشال للنساء في الصيف) والدولس والمخمل الذي يستخدم للمدرقة (المشلح) لباس المرأة الكركية، والأطلس (ليس اطلس الجغرافيا) بل نوع من القماش تكسا به الاغطية (اللحف) وكسوة الفرشات (قماش خشن مزين بالورود الحمراء والصور) والكاكي الذي يستخدم كسراويل للرجال وغالباَ ما يباع بلونين الكاكي بالشتاء والأبيض بالصيف وهو من بنود الإتفاقية الرئيسية بين أصحاب الاغنام والرعيان والمرابعية اذ ينص الشرط على وجود سراولين شتوي وصيفي بالإضافة لبقية الشروط وتتضمن الشاي والسكر والطحين ولاحقاً الراديو والبطاريات، أقمشة المراييل الخضراء والزرقاء للطالبات، قمصان سموكن ماركة الاهرام (كفلنكز) كتلك التي يرتديها دولة الرئيس الحنون هاني الملقي وهي قطن خالص ومصرية الصنع مناديل رجالي بغدادية (الكوفية الفلسطينية وهي عراقية المنشاً) لبسها العرب بعد سقوط الأندلس مع العقال الأسود حداداً، منديل البوال الأبيض الصيفي وكان سويسري خيطين بخيط هكذا كان يكتب عليه، الشماغ الإنجليزي ماركة البسام وهو عادة يأتي تهريب من السعودية، جوارب النجمة، مشاط عظم نسائية ورجالية، كباكيب ومواسير عادي ومونس تستخدم للخياطة وللقطبة الفلاحي وخيوط ملاحف وهدب مناديل، وطبعا هناك اقمشة خاصة بيضاء تستخدم كاكفان للموتى يضاف لها رداء اخضر او أبيض مع زجاجة عطر بروفسي أو عطر البتراء وهو منتج اردني رديء كفيل بأن يخرج المرحوم عن طوره من حدة العطر حتى تشعر أنه بنكهة الفلفل الحار …
اما في زاوية الإكسسوار والكريمات فيتصدر الزاوية سطل الفازلين الذي يباع “حل” بالوزن وهو مهم جداً ذلك ان برد المزار “ينشف” حتى تشعر بأن الشتاء جاء ليأخذ الثأر من الناس هناك ، وكريم تاج العروس وكريم النجمة، وزيت الشعر الهندي للرجال الذي يستخدم كثيراً في المناسبات وخصوصاً الأعراس ويجلب مزيداً من الذباب على الشعر بسبب لمعته حتى تشعر بأنك في كلكتا في الهند، وكريم نيفيا الذي ظهر لاحقاً لا يقل أهمية عن اكتشاف الجاذبية وكان مخصص للمعلمين وكبار الموظفين والطبقة المخملية حتى أن وصف النعومة كان يقال لمن يهتم بنظافته ” جماعة النيفيا” …
والجناح الأخر مختص بالتوابل وأدوات العطارة والتي تتكون من الزنجبيل والخولجان والفلفل الأسود والفنطليس (النفتالين) والوشقه (وهي ذات راحه سيئة جداً لا اعرف حتى اللحظة هل هي مادة لعلاج المريض ام عقاب رباني، جرية الحمامة (نبته تستخدم لأوجاع الكلى) الكمون واليانسون والقرفه عيدان والبهار وأربعين الحاجة والمراتج وذيل القط ودهن الضبع والكركم الأصفر، وحبة البركة، وسنا مكي، والحلبه وجوزة الطيب، والبعيثران والسفوف وقبة عبد السيد وغيرها الكثير مما غادر ذاكرتي…
زاوية الحلويات لم تكن غنية كثيرا، حلاوة الكسيح كان والدي يحضرها من عمان في تنك أو سطل حديدي بسعة 25 كغم وتباع بالوزن والى جانبها تنكة السمن البلدي وكانت من أطيب الوجبات في الشتاء خاصة للوافدين على قريتنا من بدو وفلاحين، والراحه الحلقوم وحلويات الناشد وهيكل وسلفانا كاميليا والكعكبان الذي تظهر اثاره في الصورة في مرتبانات زجاجية وهو عبارة عن سكر مغلي ومجفف ومصبوغ بالألوان على شكل خطوط، الكعك الذي كان يجلب من عمان في أكياس الخيش أما القرشلة فكانت نادرة وهي بمثابة البيتي فور أو الكروسان وكانت من اختصاص دكانة هاني القطاونة وسليمان الحلحولي لكنني ما فوتت على نفسي الفرصة فلجئت لأسلوب المقايضة مع صديقي علي الحلحولي …
يوم الجمعة كان من اكثر الأيام مبيعات خاصة قبل الصلاة حيث يفد الناس من القرى المجاورة وخصوصا البدو والعزازمة لشراء احتياجاتهم وغالباً يأتي الاهل مع الخاطب والمخطوبة لتجهيز لوازم العرس ولشراء الصوف الذي يباع بالقنطار والكسوة والإكسسوار والسكر والشاي وكنت المح كطفل باندهاشه بريئة قصص الغزل وتبادل النظرات بين العاشقين من خلف أهلهم وكأنني امام رائعة عاطفية كتلك التي كتبها المنفلوطي “تحت ظلال الزيزفون” أو “شجرة اللبلاب” او روائع الروائي الكبير إحسان عبد القدوس، لكن الفرق أن القصص التي كنت ألمح تفاصيلها أجمل فهي ممزوجة بعرق الفقراء وكدحهم وأحلامهم التي لا تتجاوز الخربوش الذي يبنى من الخيش لكنهم كرماء نبلاء في خلقهم وبساطتهم يتزوجوا ليمنح الفقر والوطن والجندية مزيد من الشرف والكبرياء بعيداً عن بعض حفلات الزواج الاستعراضية في فنادق الخمس نجوم التي تمنح الوطن مزيداً من المتاجرين واللصوص والفاسدين …
في ذلك المتجر الذي أصر اشقائي على بقاءه كما هو بسدته وما بقي من البضائع والاواني والمرتبانات الزجاجية وبقايا الكعكبان ونسخ الجريدة الرسمية منذ ان كانت تصل لوالدي في الأربعينيات؛ حتى يظل جزءاً من تاريخنا أهلنا الذي نعتز فيه وجزءاً من ذاكرة المزار ففيه وامام مسطبته وعلى أكياس الخيش جلس جيل من حكماء تلك القرية ونسجت اهم الأحلاف بين العشائر وتمت أهم المصالحات على قضايا الدم وخلافات ومنازعات الأراضي…
ذلك المتجر الذي جعل من والدي وأشقاءه بكرم من الله من ابناء رجل فقير (جدي حسين النوايسة) ولكنه كريم كان بيته مفتوح للناس الى كبار ملاك الأراضي ولكن دون أن يترك الأمر خروج على قناعتنا امام أنفسنا أولاً بأن الثراء ليس في المال والأرض بل في القيم والأخلاق…
الأربعاء أكتوبر 30, 2019 1:33 pm من طرف فرندبوك friendbook
» مواقع متعددة معلومات وثقف نفسك فرندبوك روابط
الأربعاء أكتوبر 30, 2019 1:16 pm من طرف فرندبوك friendbook
» مجموعات وغروبات على الفيسبوك برعاية قناة الضفتين والمغتربين
الإثنين أكتوبر 28, 2019 1:10 pm من طرف فرندبوك friendbook
» مواقع بها معاني الاسماء للذكور والاناث
الأحد أكتوبر 27, 2019 9:35 am من طرف فرندبوك friendbook
» دوام الجسر 27-10-2019 معبر الكرامة برنامج قلب على ضفتين
الأحد أكتوبر 27, 2019 3:19 am من طرف فرندبوك friendbook
» دوام الجسر 10-10-2019 معبر الكرامة برنامج قلب على ضفتين
الخميس أكتوبر 10, 2019 12:22 am من طرف فرندبوك friendbook
» دوام الجسر 7-10-2019 معبر الكرامة برنامج قلب على ضفتين
الأحد أكتوبر 06, 2019 11:02 pm من طرف فرندبوك friendbook
» دوام الجسر 6-10-2019 معبر الكرامة برنامج قلب على ضفتين
السبت أكتوبر 05, 2019 11:54 pm من طرف فرندبوك friendbook
» دوام الجسر 3-10-2019 معبر الكرامة برنامج قلب على ضفتين
الأربعاء أكتوبر 02, 2019 10:47 pm من طرف فرندبوك friendbook